السبت، 23 مارس 2013

الشاهد 11



الأساسي الأخير 

الماء يتحصلون عليه من جدول يبعد عنهم مئات الأمتار ، ليس نقياً ، لكن على كل الأحوال يجب أن " يصلح للشرب " ؛ فلا بديل عنه ، الضوء و الطاقة لا يتحصل عليهما من الكهرباء أو الغاز، فلا يعرفون إلا شمس الصباح و خافت ضوء القمر و شمعاً و مصباحاً قديماً و ما يحتطبون من أخشاب ، الطعام و اللباس مصدرهما بقايا الفضلات و القمامة ؛ حيث يعملون مع أطفالهم الصغار على جمعها ؛فيستنفعون ببعضها و يبيعون ما تبقى منها كأدوات مستعملة ، و هذا هو مصدر عيشهم و دخلهم الوحيد ، لم يبقِ لهم النظام العالمي بسياسته و أنظمته المالية و الاقتصادية إلا شيئاً من التكفف بهذا ، نأى بهم بعيداً عن كل شيء حتى بعيداً عن " خط الفقر " ذاته ، فمستوى معيشتهم أدنى منه بكثير .
ذات يوم قرر النظام العالمي الجديد أن يرسل أحد الأنماط الحديثة من التكنولوجيا و أكثرها تطوراً إلى بلادهم ؛ لكنها لم تكن إلا دبابات و طائرات حربية لإحتلال البلاد ، لم يعد الوصول إلى جدول مياه الشرب العكرة سهلاً ، لم يعد ضوء الشمعة و المصباح الخافتين يشعران الأطفال بالأمان في الليل ، و الوصول إلى فتات طعام القمامة أصبح يكلف الإنسان الموت أو الإعاقة .
تحلق الطائرات التكنولوجية الحديثة فوق سقوف البيوت المتهالكة التي لا تحمي اهلها البرد أو الحر ، و ترسل شيئاً بآلاف أو مئات الآلاف من الدولارات للأطفال ذي الملابس البالية المجتمعين حول بقايا الطعام لتناول عشائهم .. " قنابل ذكية قاتلة أو مشوهة " ، يرفس الجندي المسلح بعتاد عسكري بحذائه الصلب غير المهترىء اللوح الخشبي المتآكل الذي يغلق مدخل المنزل الطيني كباب له ، تستسلم الوجوه البائسة للخوف ، و ترتفع اليدان العاجزتان لأعلى مستسلمتين للـ " التقدم و الحضارة و الديمقراطية " ، و يلتحم الرصاص بالأجساد الهزيلة الجائعة ، انتهت المعركة الأخيرة لهؤلاء البؤساء مع النظام العالمي الجديد بسلبهم آخر ما يملكون من أساسيات حياتهم .. " الحياة ذاتها " .  


هناك تعليق واحد:

  1. أعتذر التعليقات مسموحة عبر البريد الالكتروني أو صفحة الفيسبوك فقط

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.